من جديد وأنا أمسك بقلمي وأبحث ما بين أوراقي المبعثرة على ورقة أمل بين أوراق اليأس المتكاثرة بغرابة وبدأت أرمي بتلك الأوراق ورقة تلو الأخرى خلف ظهري وكأني طفل صغير يمزق خرابيشه ويلقيها جانبا ً ولا تزال الأوراق تتناثر وترتمي خلفي ورقة ورقة حتى توصلت إلى ورقة مرسوم عليها القمر وبعدها ورقة مرسوم عليها الشمووع أمسكت بهذه الورقتين وكأني وجدت شيئا ً ثمينا ً كنت أفتقده منذ زمن بعيد جدا ً كم أنا سعيد في هذه اللحظة الآن , لقد وجدت ورقتي التي كنت أرسم بها في صغري رسمة القمر ورسمة الشموع كانت رسوماتي دوما ً تنتمي إلي بلا إنطوائية ولا تحايز كنت أرسم في صغري وها أنا أكتب الآن عن رسوماتي لا زالت تلك الأوراق في يدي , وإنطلقت مباشرة إلى شرفتي الصغيرة لأرى القمر يسطع بنوره الذي يعم المكان إرتكزت برأسي على ذاك الجدار خلفي لأرسم صورة أخرى من خلف الجدران لك يا قمر .. ومن هنا بدأت روايتي مع القمر .. بينما أنا أمسك بقلمي العزيز وأريد بداية مشوار الألف ميل مع رسومك أيها القمر بدأت أهز بقلمي المتعطش وأطلبه أن يعيش معي قليلا ً حتى أكمل رسمتي , لاحظت وقتها أن لقلمي ظل ينعكس نتيجة ضوء القمر المتسلط على شرفتي المعلقة في الهواء ويتشكل الظل على شكل قلب صغير ..! إستغربت من هذه الصورة التي رسمها القمر لظل قلمي قبل أن أبدأ أنا برسمه كانت رسوماته تتعمق بقلبي كم أنت رومنسي أيها القمر برسماتك هذه وبروعة طلتك , وبدأت أوجه الحوار إليه وأقول : ما بالك يا قمر قلبي الضعيف لا يحتمل روعتك وعيناي تدمع عند رؤيتك بهذا الشكل الرائع , أنت بدرا ً تنير السماء وبدأت تتخطى حدود إنارتك إلى الأرض .. وفجأة إنقطعت الكهرباء عن المدينة بأكملها ليزداد المنظر جمالا ً وكأني أقف الآن أمام مسرح سينمائي والشهب تسقط بلونها الأزرق وتسحب خلفها إضائتها والنجوم لامعة وتحيط بالقمر المكتمل من كل الجهات وكأنها تداعبه , ولكن بدأ الخوف يتوغل إلى قلبي وأنا أسمع أصوات النباح من حولي بدأت تعم المكان تشوهت الصورة بتلك الأصوات وعدت إلى غرفتي وأشعلت شمعة صغيرة كم أنا محب للشموع منذ صغري فهي لا تخونني أبدا ً عند إنطفاء الكهرباء .. وهنا بدأ حواري مع القمر .. لاحظت بخيالي أن هناك إبتسامة ترتسم على وجه القمر توقفت مكاني لأدقق النظر إليه وألقيت بالشمعة أرضا ً ووقف شعر رأسي لهول هذا المنظر الغريب , بالفعل القمر يبتسم بل يضحك وله صوت عذب أيضا ً دخلت إلى غرفتي هاربا ً خلف ستائري لأختبئ من هذا الشيء وأصبحت الآن أمام فلم مرعب خلف شاشات السماء ثم راجعت نفسي قليلا ً وقلت : ضحكته كانت رائعة ولم تكن له أنياب تخترق الظلام ثم فتحت ستارتي وتوجهت من جديد للقمر المبتسم الضحوك وحاولت أن أخاطبه من جديد فقلت له : هل تتكلم ؟ كررت السؤال عليه مرارا ً وتكرارا ً.. وأخيرا ً رد علي القمر وهو يقول : يا صغيري لا تخف وأطفئ شموعك .. فهل هناك إنارة تنير لك غيري في هذه الأثناء وأنا أفتح فمي بمقياس 90 درجة وأفرك عيني وأضرب برأسي بالجدار لعلي أفيق من حلمي فإذا به يضحك من جديد ويقول لي : على هونك على هونك .. صرخت في وجه القمر وقلت : من أنت وماذا تريد ؟ ولماذا إخترتني أنا لتتحاور معي ؟ أجابني بكل هدوء وقال : أنت من يعرفني جيدا ً , منذ صغرك ترسمني وكل ليلة أراقبك من شمعة إلى شمعة تحرق نفسها لأجلك , كنت أسمع أنين تلك الشموع تبكي لتدفن نفسها بدموعها وأنت تجلس خلف الأسوار لتعزف لحن المفارق بأرق الألحان كم كنت أعشق رسمتك يا خالد وكم كنت أراقبك بشكل يومي إلى آخر يوم من أيام الشهر وأغيب عنك فترة 4 أيام فقط وأعود إليك وكنت أنت تختار معزوفاتك أمام شموعك في أيام غيابي فقط لأعود وأستمع إلى ألحان المفارق تعزفها على جيتارة الأحزان وأنا أعلم أنك تحن لنوري وإضائتي يا خالد كنت أتحسس بمعزوفتك وكأنها لي أنا . قاطعته في كلامه وقلت له ودموعي بدأت تنجرف عن محادرها : يكفي يا عم قمر يكفي .. إذا ً كنت تراقبني وأنا مع شموعي الباكية التي تضحي لأجلي دوما ً ومن أجل أن تنير لي طريقي !! وتستمع لألحاني الباكية على ضوء الشموع لتكون ألحان عزائية مودعة لضوءها الباهت أنا أيضا ً يا عم قمر كنت أسمع أصوات الأنين تتبدد وتنتشر في فضاء غرفتي وكأنها تبكي موادعة لي هل من المعقول أن الشموع تضحي لأجلي أنا وتموت مع آخر قطرة من دموعها لتدفن نفسها تحت هذه الدموع ؟ وهل من المعقول أنك كنت تسمع لألحاني وقت غيابك يا عم قمر ؟؟ أجابني القمر وهو يقول : نعم يا صغيري كنت أختبئ خلف ظلام الليل لأسمع بكاء شموعك على لحنك وأعرف أنك تشتاق إلي كل ليلة ولكن يا خالد ليست الشموع وحدها هي التي تضحي فقط أنا أيضا ً أضحي من أجل الجميع ولكن بطريقة تختلف عن الشموع تماما ً وبدأ يقول :..... أراك بعين واحدة في الأسبوع لأول من بداية الشهر وأراك بعينين في الإسبوعين الوسطيه من الشهروأراك بعين واحدة في الأسبوع الأخير من الشهر ! ! ! ظهرت أمامي علامات تعجب لمقصده ! ! ! ثم أكمل يقول : أنا عمري مديد إلى نهاية هذه الدنيا صحيح إني أغيب عنكم ولكن أعود لكم بشوق وحنين هل تعرف يا خالد لماذا رسمت بظل قلمك شكل القلوب ؟؟ لأن الحب يظرب به المثل في القمر والشموع وأنت عرفت أن تختار جيدا ً.. الحب يا خالد بلا تضحية لا يكون حب وبلا غيرة لا يسمى حب شموعك نعم كانت تضحي ولكن بلا غيرة وهذا هو دور الأم في حبها لصغارها وتضحيتها لهم كما هي الشمعة أما أنا يا خالد فأضحي وأغار أيضا ً , هل رأيت العشاق يرتمون تحت ضوءي ..؟ وهل كنت يوما ً مظلما ً وهم تحت هذا الضوء ..؟ أجبته بصوت باهت وقلت : لا يا عم قمر .. فقال لي : أحببتكم وضحيت من أجلكم خير تضحية بإنارتي لدروبكم ولإرشادكم لطريقكم أغار من تلك الشموع لأنها تضيء لكم منازلكم من الداخل وأنا بالخارج .. وأغار من تلك الدموع الصادرة من الشموع لأنها تثبت تضحيتها أما أنا يا خالد فقليل من يكتشف تضحيتي لكم وغيرتي وحبي لكم أنت من سمع أنيني وبكيت تحت ضوءي الفضي , وأنا دوما ً في إنتظار كل شيء من بني البشر همومكم -وأفراحكم- وحبكم -ورسومكم - وكل ما يخطر على بالكم فأنا هنا ملك الخالق سبحانه وأنا مسير ولست مخير على البقاء طوال الشهر كم أتمنى أن أكون بينكم مثل الشموع , ولكن هذه حكمة الخالق ولا عصيان لخالق الوجود .. فأعذرني يا خالد وإعذروني يا بني البشر .. ..................... ثم بدأ يختفي ذاك النور القوي من القمر وبدأ يتلاشى مع ولادة الفجر الجديد بشق نور الشمس من الطرف الآخر ثم تبسمت ونظرت للشمس نظرة إستغراب لما تحمله لنا من مفاجآآآت جديدة وهل لها حوار مع البشر ...........
النهاية وإلى لقاء قادم مع الشمس.